Dr Mohamed Said Beghoul :"Le vrai paysage pétrolier algérien" 1ère et 2ème partie
Date
13 janvier 2015
Source
El Khabar Newspaper, 12,13 & 14 January 2015
يشهد قطاع النفط الجزائري، منذ عشر سنوات، فترة من الاضطرابات والتقلبات، منها بالخصوص تراجع لإنتاج المحروقات. إلا أن التفسير المختزل والمبسط للبعض، تغرق المواطنين والسلطات العمومية في الاستنتاجات المتسرعة والمهولة والتي ينتج عنها جدل قائم على فرضية أن الجزائر ستقوم باستيراد النفط والغاز قريبا. ولا ننوي هنا أن نحجب الحقيقة، ولكن من واجبنا أن نساهم في التشخيص بمزيد من التمييز والحذر، حول الأداء الضعيف لقطاع الطاقة في الجزائر خلال العشر سنوات الماضية. وأمام عدم القدرة على إرساء اقتصاد للإنتاج خارج نطاق المحروقات، فإن المؤشرات الاقتصادية الكلية تبقى مرتبطة بأكثر من 95 في المائة بصادرات النفط والغاز، ما يعرض البلاد إلى مخاطر دائمة للغرق، وهذا ما هو حاصل حاليا. فمع احتياطات محتشمة وإنتاج في تراجع، مقابل سوق محلي في زيادة مطردة، وانكماش للكميات المصدرة، مع ما ينتج عنه من انخفاض للفائض الميزان التجاري ولحجم الشراكة. وعليه، يتضح أننا مدعوون لنراجع أنفسنا ونضع حدا للخطابات المتفائلة بإفراط، والتوجه إلى حلول أولوية معقولة ومناسبة ومربحة، وهذه الأمور باتت ملحة، لأنه لا يعقل أن يبقى الجزائري مخدرا بالحقيقة المحزنة السارية منذ عشرية من الزمن، وهي حقيقة تتحدى كافة الخطابات التفاؤلية التي يراد أن تكون مطمئنة. الاحتياطات الرسمية محتشمة نلاحظ أن احتياطاتنا الرسمية لا ترتفع منذ بداية سنوات 2000، فالاكتشافات الجديدة المحققة، وإن كانت عديدة، إلا أن حجمها صغير، وبالتالي تعجز عن استعادة المخزون إلى سابق عهده أو تجديده. فما بين 2004 و2011، تم تسجيل 140 اكتشافا جديدا، ولم تضف هذه الاكتشافات سوى 500 مليون طن مقابل النفط، وهي الكمية القابلة للاسترجاع. بينما بلغ مجموع الإنتاج في الفترة نفسها حوالي 1800 مليون طن مقابل النفط، أي بنسبة تجديد للاحتياطات يقل عن 30 في المائة. وعلى المستوى العالمي، تحتل الجزائر المرتبة 15 بالنسبة للنفط بـ12 مليار برميل، أو ما يعادل 0.7 في المائة من الاحتياطي العالمي، والمرتبة 10 عالميا بالنسبة للغاز بحوالي 4500 مليار متر مكعب، أو ما يعادل 2 في المائة من الاحتياطي العالمي، وهذا في حد ذاته غريب. فمن الناحية الرسمية وإلى غاية اليوم، ومنذ عشرية، لم نحص أي تراجع في الاحتياطات المؤكدة، سواء بالنسبة للنفط أو الغاز، في وقت لم يتم إعادة تجديد ما يتم استخراجه إلا بنسبة تقل عن 30 في المائة. وأولى الإشكاليات المطروحة، يكمن في الجمود الغريب والمقلق لمستوى الاحتياطات، ومع ذلك لنلتزم الهدوء ونبقى مع ذلك حذرين، لأن هنالك دولا عديدة أخرى عرفت الوضعية نفسها، على غرار فنزويلا. فخلال عشرين سنة ما بين 1985 و2005، قدرت احتياطات فنزويلا بحوالي 75 مليار برميل، لتعرف بعدها ارتفاعا إلى حدود 297 مليار برميل، ليتحوّل البلد إلى أحد أكبر الاحتياطات العالمية النفطية بـ18 في المائة من الاحتياطي العالمي، ويتفوق على العربية السعودية ويزحزحها إلى المرتبة الثانية بـ266 مليار برميل و16 في المائة من الاحتياطي العالمي، ولكن السؤال المطروح: هل نحن في هذا الوضع نفسه يا ترى؟ الإنتاج النفطي الجزائري في تراجع بعد أن بلغ مستوى الذروة بـ75 مليون طن في 2004، بدأ إنتاجنا للنفط الممزوج بالمكثفات أيضا يتراجع تحت عتبة 65 مليون طن في السنوات التي تلته، ثم تدنت إلى 61 مليون طن في 2012 ”ما يعادل 1.1 مليون برميل يوميا”، بتراجع نسبته 20 في المائة في مدة 8 سنوات، وأضحى إنتاج النفط في حدود 980 ألف برميل يوميا نصفه بالشراكة. أما بالنسبة للإنتاج الغازي، فإنه انتقل من 154 مليار متر مكعب في 2008 إلى 132 مليار متر مكعب في 2012، بانخفاض نسبته 14 في المائة خلال أربع سنوات، وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 40 في المائة من الغاز المنتج يعاد ضخه للمحافظة على ضغط وكثافة الحقول القديمة. وعلى العموم، فإن الإنتاج الجزائري بكافة منتجاته انخفض من 233 مليون طن مقابل النفط في 2007، إلى 194 مليون طن مقابل النفط في 2012، أي بتراجع نسبته 17 في المائة في ظرف 5 سنوات، ولكن الانكماش في الإنتاج بمفرده على مدى سنوات لا يعني بالضرورة الانتقال إلى الذروة النفطية، إذ يمكن أن يرتبط تراجع الإنتاج بعوامل ظرفية ذات بعد استراتيجي وتقني وأمني الخ… حيث يمكن لبعض الأحداث، على غرار تلك التي مست وحدة معالجة الغاز بتيڤنتورين في جانفي 2013، أن تفرز فارقا في الإنتاج الوطني، وإن كان الانخفاض في الإنتاج قد بدأ قبل هذه الأحداث، وأفضل الأمثلة تأتينا أيضا من فنزويلا، هذه الأخيرة انخفض إنتاجها من 3.7 مليون برميل يوميا في السبعينات إلى 1.7 مليون برميل يوميا في سنوات الثمانينات، بينما انتقلت الاحتياطات من 10 مليار برميل إلى 55 مليار برميل، ومؤخرا ما بين 2004 و2012، عاد إنتاج فنزويلا إلى التراجع من 3.3 مليون برميل يوميا إلى 2.7 مليون برميل يوميا، ولكن هذا الانخفاض بنسبة 18 في المائة لم يكن ذروة نفطية، لأن الاحتياطات تضاعفت ثلاث مرات في الفترة نفسها التي انتقلت من 87 مليار برميل إلى 297 مليار برميل. ومع ذلك، فإن الحذر بالنسبة للجزائر يبقى قائما.. حيث أنه في حالة ما إذا لم يرتفع إنتاجنا واحتياطاتنا خلال سنوات، فإن ذلك يمثل علامة تنذر بإمكانية بلوغ الذروة النفطية، وبالتالي فإن احتمال العودة إلى الارتفاع الكبير للإنتاج لاحقا يبقى صعب التحقيق، أو يعني ذلك أيضا أننا أخفقنا في جهودنا المبذولة لإعادة تشكيل وتجديد الاحتياطات بفضل اكتشافات في أعقاب عمليات استكشاف أكبر ونسب استرجاع أعلى نسبة.
(2)المشهد الحقيقي للنفط الجزائري
استهلاك الطاقة الداخلي في تزايد مستمر
38تصنف الجزائر، بتعداد سكان يقدر بـ
مليون نسمة وحظيرة للمركبات تتراوح ما بين 6 و7 ملايين سيارة، كرابع مستهلك للطاقة في إفريقيا، بمعدل يفوق 1,15 طن مقابل النفط للفرد الواحد سنويا. وتأتي الجزائر بعد جنوب إفريقيا ”2,8 طن مقابل النفط” وليبيا ”2,18 طن مقابل النفط” والغابون ”1,25 طن مقابل النفط”. ومن الواضح أن مستوى ووتيرة استهلاك الطاقة للجزائر يبدوان مبالغا فيهما مقارنة بهذه البلدان، حينما ندرك أن جنوب إفريقيا مثلا هي أول اقتصاد خارج المحروقات للقارة السمراء بناتج محلي خام يقدر بـ 11600 دولار للفرد، رغم أن تعداد سكانها يقدر بـ 48 مليون نسمة، بينما يصل ناتج ليبيا والغابون اللتين تعتبران دولتين نفطيتين 12300 و16700 دولار على التوالي ”معطيات سنة 2013”. بالمقابل، فإن الناتج المحلي الخام الجزائري يتراوح ما بين 5000 إلى 6000 دولار للفرد، وهو بالتالي من بين الأدنى في منظمة ”أوبك”، ولا يتوقف الاستهلاك المحلي للمحروقات في الزيادة من سنة إلى أخرى، بقفزة بلغت 230 ألف برميل يوميا من البترول في 2004، إلى 350 ألف برميل يوميا في 2012، أي بنسبة نمو بلغت 4 في المائة سنويا، بينما قدر استهلاك الغاز بنسبة ما بين 5 إلى 5,5 في المائة سنويا، بمقدار 22 مليار متر مكعب في 2004 وهو حاليا يقدر بـ 34 مليار متر مكعب حاليا. وتشجع الأسعار، المصنفة من بين الأقل كلفة عالميا، في زيادة استهلاك الطاقة في الجزائر، حيث يتم تحديد الأسعار عن طريق مراسيم تنفيذية بمعدل يتراوح ما بين 21 إلى 23 دينارا للتر البنزين و780 دينار لكل 1000 متر مكعب من الغاز للمستهلك العادي و1560 دينار للصناعيين، وهو ما يعادل حوالي 50 دولارا للبرميل من البنزين وبمعدل 0,4 دولار لكل مليون وحدة حرارية ”مليون وحدة حرارية تمثل 28 مترا مكعبا من الغاز”. ومن هنا نلاحظ أن الجزائري يستهلك مواد منقاة ومكررة مرتين أقل تكلفة من النفط الخام و10 مرات أقل للغاز مقارنة مع الغاز الصخري الأمريكي، ولا تربط الجزائر بعد بين سعر الوقود وسعر برميل النفط، ولكن يسود الاعتقاد، بالنظر إلى ”تبذير” الطاقة الذي يعرفه البلد، أن الدولة الجزائرية لن تتأخر في تغيير الأسعار تراجع حجم المحروقات المصدرة.
وكنتيجة لانكماش الإنتاج وبروز زيادة استهلاك السوق المحلي، فإن صادرات النفط تراجعت بحوالي مليون برميل يوميا في 2005 إلى 700 ألف برميل يوميا في 2012، بينما تدنت صادرات الغاز الجزائري من 64 مليارا إلى 54 مليار متر مكعب، أي بانخفاض للكميات المصدرة بنسبة 30 في المائة بالنسبة للبترول و16 في المائة بالنسبة للغاز، ولأول مرة في تاريخ الكميات المسوقة من قبل الجزائر، فإن حجم وحصة السوق الداخلي بلغ أو تجاوز نصف الكميات المصدرة، وفي غياب الاحتياطيات وقدرات إنتاج معتبرة، فإن الكميات الموجهة إلى السوق المحلي يمكن أن تعوض تلك الموجهة إلى السوق الخارجي، وهو ما يمكن أن يترتب عنه انكسارات اجتماعية واقتصادية عائدات تصدير خيالية. وعلى الرغم من التراجع الواضح لحجم وكميات المحروقات المصدرة، فإن الجزائر لم تستفد من مستوى عائدات بالحجم الذي حققته خلال العشرية السابقة بمجموع يقارب 600 مليار دولار، بالنظر إلى مستويات سعر البرميل الذي ارتفع من 54 دولارا في 2004 إلى 112 دولار في 2012 ”معدل يقدر بـ 83 دولارا للعشرية”، وبلغت مساهمة الغاز الطبيعي في الإيرادات الإجمالية نسبة 35 في المائة، فيما قدرت عائدات البترول بـ 400 إلى 410 مليار دولار، وهذه قيمة ليست بالهينة، ولكنها استخدمت بالأساس لتغطية الواردات التي بلغت حوالي 360 مليار دولار خلال العشرية، ما ساهم في تآكل الميزان التجاري. بالمقابل، نسجل أن انخفاض الإنتاج الإجمالي العائد لسوناطراك على حساب شركائها ”والذي تضاعف في ظرف 10 سنوات”، يجعل من الشركة الوطنية مجموعة مالية تصحح وضعها بفضل الجباية، على غرار ما يتم من خلال الرسم على الأرباح الاستثنائية والتي تسمح باقتطاع نسبة ”تتراوح ما بين 5 إلى 50 في المائة” من إنتاج الشريك، حينما يتجاوز سعر البرميل 30 دولارا. ويجدر التذكير أن حوالي 10 في المائة من الإيرادات الخاصة بالصادرات تعود لشركاء سوناطراك، وبالتالي، فإن حصة الإنتاج بالشراكة تتضاعف من سنة إلى أخرى وستتجاوز نسبة 50 في المائة قريبا السنوات القادمة أو سنوات ”القحط” يتضح أن الوضع الحالي حرج جدا، ولكن ماذا سيكون عليه الأمر خلال السنوات القادمة يا ترى؟، إذ يتطلب الأمر إنتاج المزيد من النفط والغاز لتغطية دائمة للطلب على كافة المستويات ”السوق المحلي، الصادرات، والغاز وإعادة ضخ الغاز في الحقول”. وفي استقراء بسيط للتوجهات العامة، يتبين في غضون 2030-2050، فإنه يتعين تخصيص على الأقل 720 ألف برميل يوميا من النفط و60 مليار متر مكعب من الغاز، لتغطية الطلب المحلي لـ 45 مليون جزائري ولـ 20 مليون سيارة أو مركبة مستخدمة، وفي نفس الوقت، يتعين أن نقوم بتصدير أكثر من 1,5 مليون برميل يوميا من البترول، وما لا يقل عن 90 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، لضمان ميزان تجاري سليم، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بفضل إنتاج إجمالي يقدر بحوالي 320 مليون طن مقابل النفط سنويا ”2,2 مليون برميل يوميا من النفط و220 مليار متر مكعب من الغاز في السنة”، وهذا الإنتاج يظل رهين زيادة محسوسة في المخزون والاحتياطيات، وإلا فإنه سيتم استنفاد ما هو موجود من مخزون خلال 15 سنة ”في غضون 2030”. فهل يمكن أن يتم رفع التحدي في ظرف زمني قصير، خاصة أن الدولة تخوض حاليا معركة على جبهتين هما انخفاض الاحتياطيات وتراجع الإنتاج من جهة، وانهيار أسعار البرميل من جهة أخرى وإذا كان بالإمكان تطبيق، بالنسبة للسوق المحلي، المادتين 50 و51 من القانون، للدعوة، إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، إلى الحد من الإنتاج وإعطاء الأولوية لتمويل السوق الداخلي، فإن اللجوء إلى هذه المواد يعني ضمنيا شكلا من أشكال الاستيراد، لأن المحروقات المسوقة من قبل المتعاقد سيتم تسديد ثمنها من قبل الدولة الجزائرية، ولتظل مسألة استيفاء الكميات الواجب تصديرها العمود الفقري لاقتصادنا إشكالا حقيقيا يتعين إيجاد حل له..